Tuesday, January 9, 2007

المثليون في الاراضي الفلسطينية - مهم



جمعيات محلية للدفاع عن حقوقهم و"عقاب المجتمع" وراء هروبهم لإسرائيل
المثليون والمثليات في الأراضي الفلسطينية .. أكثر من مجرد "حكايات مثيرة" !

رام الله - يوسف الشايب:


بدأت سيرين (27 عاماً) تشعر بميول مثلية تجاه صديقتها التي ما انفكت تحدثها عن ميول مشابهة، عندما كانت في العشرين من عمرها، حيث نسجتا علاقة "عاطفية وجنسية" استمرت لأعوام، وعن ذلك تقول: لم يكن صعباً أن أحضر صديقتي الأنثى إلى غرفتي، وممارسة ما يلبي رغباتنا، فلا مشكلة لدى الأهل تجاه ذلك، فهم لا يعرفون شيئاً عن ميولنا الجنسية، وكل ما يهمهم أن نبتعد عن مرافقة الشبان الذكور .. كان الأمر الأصعب بالنسبة لنا، في أول علاقة لكل منا، هو أن نصارح أنفسنا بأننا مثليات، فلم يكن من السهل على فتاة مثلي، تربت على قيم دينية واجتماعية ما، أن تتحدث مع نفسها بهذه الشفافية .. مع الوقت بدأت أتقبل الفكرة، لكني كنت، ولا زلت، أخشى على والديّ منها، رغم أنهما جامعيين، ومن أصحاب التفكير الليبرالي الحر، لكن فكرة أن ابنتهما "مثلية" قد تدمر حياتهما، وهذا ما لا أريده .. عشت بمفردي في مدينة قريبة لارتباطي بعمل هناك، وغيرت تسريحة شعري، حتى أن البعض بات يناديني تهكماً بـ"إيش يا شب"، ولم يكن لديهما أدنى مشكلة في ذلك، لكن الأمر مع "المثلية" مختلف، فوالدتي كانت تشجعني على الزواج، طوال تلك الفترة.
بعد أن كشف أمرها، تركت سيرين الضفة الغربية باتجاه إسرائيل، كي "لا تؤذي مشاعر والديها، إذا ما صادفاها يوماً، وكي تمارس حريتها الجنسية هناك"، وعن ذلك تقول: علاقتي الأولى كانت مع صديقتي الفلسطينية، أما الآن فجميع علاقاتي مع إسرائيليات .. هناك مثليات في الأراضي الفلسطينية، لكن ليس من السهل الكشف عنهن، فهن كبقية البنات يرتدين فساتين، وشعورهن طويلة، ويضعن الماكياج .. من الأسهل بالنسبة لي التوجه نحو الإسرائيليات.
وتقر سيرين، صعوبة إحداث تغيير في نظرة المجتمع الفلسطيني للمثليين والمثليات في يوم وليلة، خاصة أنه مجتمع "متزمت، ومحافظ، وديني"، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يلعب دوراً كبيراً في توجهه نحو مزيد من التزمت والتعصب الاجتماعي والديني .. وتقول في حديث هاتفي خاص: استغرقت عامين كاملين لأقنع نفسي بأنني "مثلية"، وبأنني أملك مشاعر معينة تجاه الفتيات .. الأمر بالتأكيد يحتاج إلى وقت طويل لإحداث تغييرات مجتمعية بهذا الاتجاه، لكني متفائلة بأن التحول بالنظرة الاجتماعية تجاه المثليين والمثليات سيأتي يوماً، وها نحن نناضل، وننتظر.
أما وائل (29 عاماً)، فبدأ يشعر باللذة في سن الثالثة عشرة، أي عند البلوغ، بعد أكثر من ست سنوات كان يتعرض فيها للاغتصاب، "دون وعي منه بما يحصل"، من جاره الخمسيني وقتها، ومن عدد من أقاربه، بينهم شقيقه الأكبر .. ويقول في حديث خاص: منذ أن وعيت ما كان يحدث لي، وأنا أشعر بلذة عندما يضاجعني أحدهم .. أهلي باتوا يرضخون للأمر الواقع .. بداية كنت أشعر أن ما أقوم به كارثة، فصورة المجتمع عمن يمارس مثليته الجنسية سلبية للغاية، لكني بدأت أدرك عادية الأمر، خاصة بعد فشل الاختصاصيين النفسيين، والأطباء في وضع حد لمشاعري المثلية .. لا تثيرني أية امرأة .. هكذا أنا، وعليّ أن أستوعب نفسي، وأتمنى أن يستوعبني الناس.
وقبل أربعة أعوام، ضبط رامي (22 عاماً) في الفراش مع صديق له، فانهال عليه شقيقه الأكبر ضرباً، وكاد والده يقتله .. بعد أشهر ضبط مرة أخرى، فشاع الخبر في أحد مخيمات اللاجئين بغزة حيث يعيش، وما هي إلا أياماً قليلة وألقت الشرطة الفلسطينية القبض عليه، حيث أخبر أن شريكه في الفراش شرطي هدفه الإيقاع بمثليّي الجنس من الفلسطينيين، وأن عليه أن يمارس الدور نفسه إن أراد أن ينجو من "التعذيب"، وربما من "الفضيحة"، وعندما رفض، تفنن أفراد الشرطة بالتنكيل، سواء في غزة، أو في طولكرم التي فر إليها لاحقاً، حيث وضع في برميل من الماء البارد غمره حتى أسفل وجهه، ثم غطي بكيس مليء بالغائط، ثم ألقي في زنزانة مظلمة مليئة بالحشرات والقوارض التي كان يحسن بلسعاتها ولدغاتها ولا يراها، في حين أجبر أيضاً على الجلوس فوق زجاجة مشروبات غازية (كولا) فارغة، كما لم يخل الأمر من شتائم وسخريات استمر في إطلاقها المحققون، والسجانون، وحتى السجناء.
بعد إطلاق سراحه عبر رامي "الخط الأخضر" ليعيش ويعمل في مطعم بقرية عربية هناك، حيث لا يعرفه أحد، حلمه كما يقول أن يعيش في تل أبيب، "حيث لا يكترث أحد لكونه مثلي الجنس أم لا، لكنه يخشى أن يضبط ويرحل لغزة، لعدم شرعية إقامته في إسرائيل، لذا يفضل في الفترة الحالية، على أقل تقدير، البقاء حيثما يعمل.
أما حكاية تيسير (23 عاماً) والتي تعود لستة أعوام، فتتلخص بأن أفراداً في الأجهزة الأمنية الفلسطينية اشتبهوا بأن أحد أصدقائه مثليّ، وبأنه كذلك، وعمدوا بسبل عدة إلى إجباره على الاعتراف بهوية جنسية لا تخصه .. مكث في زنزانة "حقيرة" لثلاثة أسابيع، تعرض فيها لأصناف مختلفة من التعذيب، من بينها إلقاؤه في "بالوعة مجاري"، وشوي يديه بـ"التوستر"، لعله يعترف بما ليس هو عليه، إلى حين أن تعاطف معه أحد المحققين، وأفرج عنه، بعد كفالة خاله الذي كثيراً ما تردد على مقر الجهاز للسؤال عنه.
بعد ساعتين قدم مسلحون ملثمون من حركة "حماس"، وأبلغوا والدته وخاله نيتهم فتح تحقيق معه، للتحقق من هويته الجنسية، فأنكرا وجوده بالمنزل .. يقول تيسير: شقيقي الأكبر، رجّح أنني سأقتل على يد رجال حماس، بعد أن نجوت بأعجوبة من تعذيب الأجهزة الأمنية، خاصة أن شقيقي الأصغر، وهو ناشط في حماس، بدأ يمارس ضغوطاً على العائلة لتسهيل مهمة رجال حركته بالتحقيق معي .. أعطاني شقيقي الأكبر بعض النقود، وطلب مني الفرار إلى إسرائيل، وفعلت.
ويسرد تيسير المزيد بقوله: بقيت في منزل صديق فلسطيني يعيش في إحدى المدن العربية بإسرائيل لخمسة أشهر، إلى أن شفيت من الإصابات والحروق التي تعرضت لها خلال التحقيق، وبدأت أبحث عن عمل، حتى حصلت على مهمة جلي الصحون في أحد المطاعم .. الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، فأحد أشقائي الذين يكبرونني كان يبحث عني لقتلي، كي "يغسل العار الذي تسبب به للعائلة، كما يقول"، ما اضطرني لتغيير عنواني، ورقم هاتفي أكثر من مرة.
ويعترف تيسير: أنا خائف للغاية، خاصة أنني ضبطت لأكثر من مرة في إسرائيل، دون تصريح رسمي بالعمل هناك، هذا التصريح الذي عادة لا يمنح لمن هم في مثل سني "لدواع أمنية"، وفي كل مرة كانوا يعيدونني إلى الضفة الغربية، حيث قريتي، لأحاول التسلل إلى هناك ثانية، فإن شاهدني أحد من أفراد عائلتي أو حتى قريتي قد يقتلني، خاصة أنهم حكموا علي بالعمالة للجهات الأمنية الإسرائيلية، يعني "موت وخراب ديار" .. التسلل إلى إسرائيل بات صعباً للغاية، خاصة جدار الفصل العنصري، وأنا بت أخشى على حياتي حقاً .. لو كنت مثلياً لتحملت تبعات أن تكون كذلك في مجتمع ذي قيم تحرم، وترفض، بل وتعاقب المثليين، لأنه خياري، لكن الأدهى والأمر أنني بت "مثلياً" و"جاسوساً" في أعين الناس، وحتى أشقائي، رغماً عني .. "أدركت الآن كم نحن نعيش في مجتمع ظالم .. كل ما أتمناه أن أحيى حياة طبيعية، ليس إلا".

مبالغة
"المثليون والمثليات في أراضي السلطة الفلسطينية، يواجهون خطر الحبس، والتعذيب، وحتى الموت، فالقانون السائد في هذه الأراضي يجرم المثلية الجنسية، وفي الكثير من الحالات تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتعذيبهم" .. هذا ما خلصت إليه العديد من المجموعات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان في تقاريرها، التي تشير إلى أنه لا يمكن تقديم إحصاءات دقيقة عن حالات التعذيب التي تعرض لها المثليون والمثليات في مراكز الأجهزة الأمنية الفلسطينية المختلفة، كون أن من يقع عليهم التعذيب يخشون التصريح بذلك، كما يخشون الحديث عما تعرضوا إليه من تعذيب، كي "لا يضطهدوا مجتمعياُ"، بوصفهم "شواذ"، حسب التعبير الفلسطيني، والعربي عموماً، المرادف للمثليين والمثليات.
ويؤكد مصدر واسع الإطلاع في الشرطة الفلسطينية، أن ثمة مبالغة كبيرة في هذه التقارير، فمن غير الصحيح أنهم يواجهون الحبس، فلا يوجد ما يجرم اللواط للبالغين في قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطيني، كما لا يوجد في أجهزة الأمن الفلسطينية "من يختص بالتربص للمثليين والمثليات، للإيقاع بهم، أو سجنهم"، على عكس بعض الدول العربية، فمعظم الحالات ترد "مصادفة" إلى مراكز الشرطة، أو غيرها من الأجهزة الأمنية، ففي الغالب يجري التبليغ عن سيارة مشتبه بها في منطقة مهجورة، وعند مداهمتها نكشف، في العديد من الحالات، أنها بغرض الممارسات الجنسية، بما فيها المثلية، "بعيداً عن أعين الناس" .. في أغلب الحالات يتم التغاضي عما حدث، ويخلى سبيلهم على الفور، إذا لم يثبت تورطهم بقضايا أخرى.
ويؤكد المصدر الفلسطيني أن الحالات التي تعرضت للتعذيب في مراكز الأمن الفلسطينية، إن صدقت التقارير الحقوقية الدولية "قليلة للغاية، ولا تستند لأي غطاء قانوني، وهي ليست سوى تصرفات فردية، تعكس، ربما، نظرة المجتمع والدين للمثليين والمثليات".. ويقول: اقر بأن هناك بعض حالات الابتزاز بحق المضبوطين، وخاصة في العلاقات الجنسية بين شاب وفتاة، وبدرجة اقل في العلاقات المثلية، ونحن نحارب ذلك بشدة، كما لا أنكر أنهم يتعرضون، في بعض الأحيان، لإيذاء نفسي، عبر الألفاظ والعبارات الساخرة من المحققين، والسجانين، وحتى السجناء .. ليس من السهل ضبط هذه الأمور، ولا أعتقد أن تعميماً بخصوصها قد يفي بالغرض.
وينفي المصدر نفسه وفاة أي مثليّ أو مثلية بسبب التعذيب من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، مشيراً إلى أن ما تفصله بعض التقارير الإسرائيلية والدولية من معلومات "مشكوك في الكثير منها"،ربما تتحدث عن مسلحين مجهولين، وفي الغالب في الانتفاضة الأولى، أي ما بين العامين 1987 و1993، حيث كان قادة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم لا تنقصه الرعونة، هم من يضبطون الأمور على أرض الواقع، وكانت تحدث الكثير من الأخطاء وقتها، وخاصة على الصعيد الاجتماعي .. ويقول: كانوا في تلك الفترة يتعاطون مع أية ظاهرة "غريبة" عن المجتمع، على أنها من صنيعة الاحتلال، وبالتالي، وفي كثير من الحالات لم يكونوا يفرقون بين من يمارس علاقات جنسية غير شرعية (خارج إطار الزواج)، وبين العملاء، وهذا الأمر ينطبق على المثليين، ما أدى إلى مقتل عدد منهم، رغم براءتهم من تهم "العمالة"، و"خيانة الوطن" .. كانوا ينظرون إلى المثلي "الشاذ جنسياً"، على أنه عميل للاحتلال، وبالتالي فإنه يستحق القتل.. الصورة تغيرت الآن، وبات هناك قوانين تحكم الأمر، ولم نسمع، حتى في أسوأ حالات الانفلات الأمني التي سادت في الانتفاضة الثانية عن مقتل شاب لميوله الجنسية المثلية، كما حدث في الانتفاضة الأولى .. لا يوجد أية قوانين تعاقب "الشواذ"، كما تدعي هذه التقارير، وبالتالي هم ليسوا عرضة للحبس، ولم يعودوا عرضة للتعذيب أو الموت .. في الغالب يتم التحقيق مع من يضبط منهم، ويخلى سبيله، بعد أن يقضي، في بعض الحالات، أياماً معدودات في السجن، من باب "التأديب".
ويشير المصدر الشرطي الفلسطيني، إلى أنه من الصعب ضبط حالات لفتيات مثليات، لأنهن في الغالب يعبرن عن رغباتهن الجنسية في غرف مغلقة، وداخل بيوتهن ربما، في حين يلجأ بعض الشبان إلى التعبير عن ميولهم الجنسية المثلية عبر الانطلاق في سيارة أحدهم إلى منطقة مهجورة، فيضبطون، مشيراً إلى أنه، وطوال السنوات الطويلة له في العمل لم يسجل سوى حالتين لمثليات، أولهما عبر بلاغ عن حفل جماعي داخل أحد منازل مدينة في وسط الضفة الغربية لمثليات فلسطينيات، وتم تحويلهن إلى المحكمة بتهمة خدش الحياء العام ليس أكثر، والثانية لفتاة أقدمت على الانتحار، بعد إرغام شريكتها بالفراش مغادرة سكن الطالبات الذي كان يجمعهما.
ولا ينكر المسؤول الأمني ما يجري الحديث عنه، بخصوص ضبط العديد من الحالات داخل زنانين الاعتقال في مراكز الشرطة الفلسطينية، ويقول: هذه الحالات تنجم في العادة عن الكبت لأشهر وسنوات طويلة، وليس لميول جنسية مثلية، وقد تم ضبط العديد منها في السجون الفلسطينية .. أذكر أن أحد المعتقلين أصيب بحالة هستيرية لمجرد قمنا بترحيل شريكه إلى سجن آخر.. البعض، وخاصة في السجون، يلجأ إلى الملاوطة من باب أنه "لا بديل"، ليس أكثر.

جهات مشبوهة
وكشف مسؤول أمني فلسطيني، عن قيام جهات فلسطينية "تدعي الوطنية"، بإشراك شبان وفتيات فلسطينيات في مخيمات ونشاطات شبابية برفقة نظرائهم من إسرائيل ودول أوروبية، حيث يقعون هناك في شرك علاقات غير شرعية، من بينها علاقات مثلية، تنتهي ببعضهم إلى أحضان المخابرات الإسرائيلية، التي تجندهم جواسيس على أبناء شعبهم.
ولا ينفي المسؤول الفلسطيني قيام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستغلال الميول الجنسية المثلية لبعض الفلسطينيين .. ويقول: المخابرات الإسرائيلية تستثمر المخاوف التي تساور المثليين الفلسطينيين من العقاب المجتمعي في حال اكتشاف أمرهم، فتجندهم للعمل تحت مظلتها.
ويضيف: هم يقدمون لهم ما يلبي لهم ميولهم ورغباتهم الجنسية، وبذلك يكسبوهم إلى صفهم .. نحن ندرك خطورة الأمر، لكن لا يمكننا الانتصار لشذوذهم، أو العمل على تنظيمه للحيلولة دون ارتمائهم في أحضان سلطات الاحتلال، فهذا مخالف لأعرافنا الاجتماعية، ولقيمنا وتقاليدنا، ولتعاليم الدين أيضاً، ولقناعاتنا الشخصية أيضاً.
ويرفض المسؤول نفسه أية اتهامات لأجهزة الأمن الفلسطينية بتعذيب أو التنكيل بالمثليين والمثليات الفلسطينيين، ويقول: لا يوجد في القانون الفلسطيني ما يجرم المثلية الجنسية بأنواعها، خاصة إذا ما كان الطرفان فوق الثامنة عشرة، كما أننا لا نهتم إلا بالقضايا ذات الطابع الأمني، والتي قد يتورط بها مثليون أو مثليات .. نحن لا نعذب أي منهم، وأكاد أجزم بأن وراء هذه التقارير الحقوقية غير الصحيحة في الكثير من تفاصيلها، أهدافاً مشبوهة .. "علاوة على بعض الجهات الإسرائيلية والغربية، يوجد جهات فلسطينية تروج لهذه الافتراءات، وتعمل على تنفيذ أجندة تمليها عليها أطراف خارجية، لضمان تمويلها، مهما أساءت لصورة الفلسطيني في العالم .. ما يقال عن تعذيب الأجهزة الأمنية للمثلين والمثليات في الأراضي الفلسطينية افتراء وكذب، ولا أساس له من الصحة، وإن كان ثمة بعض الحالات هنا وهناك، فهي حالات فردية ليس إلا.

القوانين
وتؤكد نصوص قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، والمعمول به في الضفة الغربية، ما ذهب إليه المسؤولان الفلسطينيان، حيث لا يوجد أي ذكر للفظ "اللواط"، أو "السحاق"، أو "المثلية الجنسية"، كما لا يوجد، إطلاقاً، ما يجرم ممارسة "المثلية الجنسية" للبالغين، إلا في حالات الاغتصاب، على عكس ما ذهب إليه مشروع قانون العقوبات الفلسطينية، المقر بالقراءة الأولى حتى الآن، ولا يزال يحتاج لإقراره بقراءتين إضافيتين، فالمادة (262) تنص على أن "كل ذكر ارتكب فعل اللواط مع ذكر آخر بلغ من العمر ثماني عشرة سنة أو أكثر، وكان ذلك برضاه، عوقب كل منهما بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وإذا كان الفاعل أحد أصول المفعول به، أو من المتولين تربيته، أو ممن لهم سلطة فعلية عليه، أو كان مستخدماً عنده، أو عند أحد ممن تقدم ذكرهم، عوقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات".

إلى إسرائيل
وبسبب "التابو" الاجتماعي والديني تجاه المثلية الجنسية، "يلجأ" العديد من المثليين والمثليات الفلسطينيين إلى إسرائيل، حيث يعيشون أوضاعاً صعبة تشبه الأوضاع التي يعيشها المهاجرون غير الشرعيين في الدول الأوروبية .. فحسب إحصاءات جمعية "أغودا"، أكبر تجمعات المثليين والمثليات في إسرائيل، إنه وحتى صيف 2004، هناك أكثر من 300 مثليّ فلسطيني "لجأ إلى إسرائيل"، ومعظمهم ممن تتراوح أعمارهم بين (14 و22 عاماً)، وهم في الغالب لا يتحدثون العبرية أو أية لغة غير العربية، كما أن الكثير منهم لم يكن يملك غير ملابسه.
ويشير شاؤول غانون، مدير الجمعية إلى أن عدد المثليات الفلسطينيات الوافدات إلى إسرائيل أقل بكثير، ففي الـ"أغودا" ثماني مثليات من الضفة الغربية، اثنتين منهن نجتا بأعجوبة، بعد أن اكتشف أمرهما في الفراش، بإحدى قرى الضفة الغربية، وفرتا هاربتين بملابسهما الداخلية، في حين كان يطاردهما قرابة 400 من سكان القرية، بعضهم حمل سيوفاً وسكانين لقتلهما.
ويؤكد غانون أن معظم المثليين والمثليات الفلسطينيين، ورغم الحرية الجنسية نسبياً، يعيشون ظروفاً صعبة في إسرائيل، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، حيث القوانين المتشددة بخصوص تواجد الفلسطينيين عموماً في القرى والبلدات والمدن الإسرائيلية، وبالتالي يتم ترحيل الكثير منهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في حال ضبهم، علاوة على السجن لأيام، وتوقيع غرامات باهظة أحياناً.
وتنتقد العديد من المجموعات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان مواقف السلطات الإسرائيلية من المثليين والمثليات الفلسطينيين، وخاصة ما يتعلق بترحيلهم عن الأراضي الإسرائيلية، بما يخالف القانون الدولي .. ورغم اتخاذ محكمة العدل الإسرائيلية بعض الأحكام الاستثنائية بخصوص ترحيل المثليين والمثليات الفلسطينيين، إلا أن تطبيقها يبقى محدوداً على أرض الواقع.
من جهتها نجحت جمعية "أمنستي" الحقوقية الدولية في منح حق الإقامة في إسرائيل لأحد المثليين الفلسطينيين، لكن لفترة مؤقتة، في حين تسعى جمعيات إسرائيلية للمثليين والمثليات بإقناع دول أوروبية استضافة عشرات المثليين والمثليات الفلسطينيين المقيمين بطريقة غير شرعية في إسرائيل، للتخفيف من معاناتهم ومخاوفهم، لكن حتى اللحظة لا تقدم في هذا الاتجاه.


أصوات
في العام 2002 أقامت شابتان فلسطينيتان مجموعة حوار عبر البريد الالكتروني للفلسطينيات المثليات، وبعد أن تبلورت الفكرة بدأت المجموعة تتسع، رغم أن شروط العضوية كانت معقدة للغاية، فلا يمكن لأية فلسطينية الانضمام إلى المجموعة إلا إذا كانت على علاقة مباشرة بإحدى العضوات، للمحافظة على "السرية، والخصوصية، والأمان، وكي لا يقتحم أحد المجموعة بقصد التخريب" .. مجموعة "الحوار" تحولت بعد لقائها الأول في كانون الثاني من العام 2003، إلى تجمع منظم يحمل اسم "أصوات"، ويضم مثليات فلسطينيات من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، ينسجن علاقات مع مثليات من قطاع غزة، والأردن، ولبنان، ومصر، ودول الخليج العربي، وتقول روضة، منسقة "أصوات"، التي اتخذت من حيفا مقراً لها، في حديث هاتفي: كنا ثمانية من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني في اللقاء الأول، ونحن الآن 20، تلتقي منا 16 بشكل دوري .. هناك أهداف كثيرة نسعى لتحقيقها، لكن مجرد تنظيم تجمع لنساء مثليات فلسطينيات، يلتقين على الأهداف والرؤى، وينسقن فيما بينهن إنجاز بحد ذاته، فنحن لا نريد أن تقضي المزيد من المثليات أعمارهن، وهن لا يدركن أن ثمة مثليات مثلهن في المجتمع الفلسطيني.
وتضيف روضة: نحن نساء فلسطينيات مثليات .. التقينا واتحدنا لنعمل على تدعيم و تثقيف أنفسنا وغيرنا من النساء حول جنوسيتنا وجندريتنا وحقوقنا.. جئنا لأجل بناء جسر بيننا وبين مجتمعنا، وكسر حاجز الصمت وإيصال أصواتنا للجميع بأننا موجودات .. كفانا صمتاً واختباء وراء كواليس الخوف والشك، وداخل خزائن التساؤلات والتخبطات.. لقد حان الوقت لنخطو أول خطواتنا نحو تحقيق حلمنا بالعدالة المجتمعية، وزيادة الوعي والثقافة حول العلاقات المثلية، والثقافة النسوية، والحقوق المتساوية.
وحسب روضة، فإن رسالة أصوات هي العمل كمجموعة نساء فلسطينيات مثليات, للتعبير عن "آرائنا, وتعريف النسوية الفلسطينية، ومخاطبة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتعريف العلاقة ما بين هوياتنا الوطنية, الجنسية، والجندرية، آملين أن نتمكن من توفير المكان الآمن لكل امرأة فلسطينية مثلية، في محاولة لكسر حاجز الصمت من خلال الحوار, التثقيف الذاتي, النشاط الجماهيري، والتغيير الاجتماعي، في حين تسعى المجموعة بالإضافة إلى ذلك، باتجاه تغيير المفاهيم المجتمعية، نحو إيجاد لغة للتواصل مع احتياجات مجتمعنا, ومن أجل وضع الحرية الجنسية على أجندة المجتمع الفلسطيني.
ولتحقيق أهداف "أصوات"، ترى روضة أنه لابد من العمل في اتجاهات عدة، من بينها إقامة مكان آمن وسري لتدعيم النساء الفلسطينيات المثليات، والتضامن معهن، ومحاربة تشويه ومراقبة المعلومات المتعلقة بالعلاقات المثلية، والأفكار المسبقة، والجهل الناتج عن المحرمات المجتمعية المتعلقة بجنوسية المرأة، والحرية الجنسية، والمزيد من التواصل مع النساء الفلسطينيات المثليات اللواتي تعشن داخل "الخزانة" برفقة مشاعر الخزي، وخلف هويات مستترة، وتدعيمهن ليصبحن مصدر حقوق الأقلية المثلية في المجتمع الفلسطيني، علاوة على إنتاج مواد ذات جودة وقيمة ثقافية عالية، تخدم مشاريع "أصوات"، وزيادة حضور جنوسية المرأة والحرية الجنسية في اللغة والثقافة العربيتين.
وتكمن الصعوبات برأي روضة في "الصمت الذي يغلف ويحيط بموضوع المثلية الجنسية في فلسطين، والتعامل مع الأمر على اعتبار أنه كارثة، وعدم إعطاء الشرعية لمجرد طرح التساؤلات، فالمثليّ لا مكان له في المجتمع الفلسطيني" .. صحيح نحن نساء فلسطينيات، وعدد منا ناشطات في مؤسسات فلسطينية حيوية، لكنا، حتى اللحظة، لم نكتسب شرعيتنا كمثليات، كون أن شرعية الحرية الجنسية غير موجودة في ثقافة مجتمعاتنا .. وتقول: يكاد الإحباط يسيطر على الكثير من المثليات الفلسطينيات، لاسيما مع بقاء الأمر في دائرة المسكوت عنه، أو غير المحكي، ففي أجواء ملبدة بالسرية، تعيش المثلية الفلسطينية حياة مزدوجة بين علانيتها وسريتها .. هذه هي الصعوبة الأكبر، فإذا ما كشفت أي منا عن هويتها الجنسية، تنبذ وتعامل كأنها حيوان مقزز، فجميع قوى المجتمع، على تناقضاتها تتحرك ضدنا.
وأنجزت "أصوات" مؤخراً موقعها على الإنترنت، بلغات عدة، من بينها العربية، وتعمل وتخطط لجملة من المشاريع منها مشروع التثقيف ورفع الوعي، ومشروع المعلومات والنشر، كما تعمل، وبدعم إيطالي، وبالتنسيق مع مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني في رام الله، لإقامة خط داعم (هوت لاين) للمثليين والمثليات، يتم عبره تقديم المعلومات والنصائح، عبر اختصاصيين وأكاديميين.
وتشير روضة، إلى أن الجمعيات الفلسطينية، وخاصة النسوية منها، سواء بالضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر، باستثناء "كيان" الحيفاوية التي وفرت غطاء قانونياً للمجموعة، رفضت التعاطي مع "أصوات" لأسباب تتعلق بالأجندات الحزبية وغير الحزبية التي ينفذونها .. "إنهن يخشين على كراسيهن، ولا يملكن الجرأة الكافية للمواجهة، كما أن العديد منهن، ولو كن مثليات أو مقتنعات بحقوق المثليات، فإنهن، ولمصالحهن الخاصة، يتساوقن مع المجتمع في التعاطي مع الهوية الجنسية المثلية على أنها شذوذ، أو مرض نفسي أو عضوي، مع أن الكثير منهن يدركن جيداً أن الدراسات الطبية الحديثة، وآخرها المرجع الطبي الشهير (DSM4)، أثبتت أن "المثلية الجنسية ليست مرضاً نفسياً أو عضوياً"، وبالتالي علينا التعاطي مع الأمر بمكاشفة، للخروج من دائرة الصمت والأفكار المسبقة.
وكان لأصوات مواقف واضحة ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، كما رفضت، الصيف الماضي، العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأعربت عن تضامنها مع المثليين اللبنانيين، الذين فتحوا مقرات مؤسساتهم لإيواء العائلات النازحة للجنوب، وقدموا الدعم لهم، كما ترفض الاقتتال الداخلي الفلسطيني.

البيت المفتوح
وفي العام 2002 أيضاً، تم إنشاء المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح في القدس، ويهدف إلى تقليص الفجوة، والنقص في الدعم، والشعور بالوحدة، وعدم توفر الأطر المختلفة للمثليين، المثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية من الفلسطينيين، وخاصة المقيمين داخل الخط الأخضر، في إطار مشروع البيت المفتوح الذي تأسس في العام 1997، وهي جمعية للمثليات، المثليين، مغايري وثنائيي الهوية الجنسية ممن يسكنون في القدس والمناطق المجاورة، تروج للتعايش، والسلام، والمساواة بين سكان "المدينة المقدسة"، وترى أن الحب يعلو على الحدود الحضارية والعرقية، وحتى الحروب، لاسيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتقول حنين منسقة المشروع: في مجتمعنا، لا يزال موضوع العلاقات الجنسية المثلية والانجذاب إلى نفس الجنس بمثابة "تابو"، ولا يزال المجتمع الفلسطيني يتعامل مع الهوية الجنسية المثلية، الثنائية، والمغايرة، على أنها شذوذ، ومرض، وعار للفرد والعائلة، ويسود اعتقاد بان الحضارة الغربية هي من أفرزت المثليين والمثليات بهدف ضعضعة أسس المجتمع العربي وحضارته، ومن هنا كان تأسيس المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح بالقدس، كشبكة فلسطينيين مثليين، مثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية، تعمل على بناء وسط مثلي فلسطيني من خلال تقديم الدعم والتمكين الفردي والجماعي.. ولنقول صراحة بأننا "فلسطينيون من المثليين والمثليات، مسلمون ومسيحيون، نحاول الدمج بين هويتنا الجنسية وأسس حضارتنا وهويتنا العربية، ونتعامل مع وضعنا الخاص كمصدر للقوة، كما ونؤمن بالنضال من اجل استقرارنا وكينونتنا، وحقوقنا، وقيمنا ومعاييرنا، كما نعي احتياجاتنا الخاصة بشكل أفضل، ويمكننا العمل على تطوير المجتمع المثلي الفلسطيني، ومواجهة الصعوبات والتخبطات".
وتضيف حنين: رغم صعوبة عملنا، فقد نجح مشروعنا الجديد بإحداث تغيير كبير لدى الكثير من المثليين والمثليات الفلسطينيين، حيث أصبح شعارا هاما لتعدد الآراء والقيم في الوسط المثلي خاصة، والشارع الفلسطيني في القدس عامة، عبر سلسلة من النشاطات والمشاريع التي نقوم بها، من بينها موقع الانترنت باللغة العربية، وخط الدعم والمساعدة، حيث يقوم المتطوعون المؤهلون بتقديم الدعم الفردي وقت الضيق، وتقديم الإرشاد والمعلومات الضرورية للمثليين والمثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية من الناطقين باللغة العربية، علاوة على الحفلات المثلية العربية، والتي ينظمها المشروع شهرياً في "بار شوشان"، ويقع على خط التماس بين القدس الشرقية والغربية، والتي باتت تجتذب قرابة المائة مثلي ومثلية فلسطينيين، وكان آخرها في السابع من كانون الأول للعام 2005، إضافة إلى ورشات عمل لتنمية الوضع باتجاه تغيير النظرة إلى الهوية الجنسية المثلية.

الاحتلال والجدار
وتفتخر حنين، منسقة المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح بالقدس، بأنهم المنظمون الفعليون لمسيرة الفخر العالمية، التي تجري للمرة الأولى في القدس العام 2006، تحت شعار "حب بلا حدود"، والتي ستجمع إسرائيليين وفلسطينيين، ومثليين ومثليات من جميع أنحاء العالم، بهدف "إيصال رسالة نحتاجها في الشرق الأوسط ، مفادها أن حقوق الإنسان تعلو على الحدود الحضارية والعرقية، وأن اختلافاتنا يجب أن تحترم وتوقر بسلام وهدوء, وبأن الحب لا يعرف حدود.. وبأنه لا يوجد مكان أفضل من القدس لتكوين هذه الرسالة, كما أنه لا توجد مدينة أكثر حاجة لهذه الرسالة من القدس".. وتقول حنين: إن الصراع على التقبل والفخر بارز في القدس، مدينة الديانات الكبرى، حيث التراث الإسلامي والمسيحي واليهودي العريق، والذي يرسخ لاحترام كل البشر الذين خلقهم الله، ومع ذلك فهذه الديانات المتشابهة كانت المصدر للعدائية وعدم التسامح مع مجتمع مثليّي الجنس .. في هذه المسيرة العالمية، سيأتي عشرات وربما مئات الآلاف إلى القدس، ومن جميع أنحاء العالم لتحدي الآراء المسبقة .. معاً سنصرح أننا أيضاً ننتمي إلى القدس، مدينة الديانات العريقة.
وترفض روضة، منسقة "أصوات" المشاركة في "مسيرة الفخر"، لاعتبارات تتعلق بترويجها "الزائف" لإسرائيل كدولة الديمقراطيات والحريات، بل وتعمل على التنسيق لمسيرة مزامنة يشارك بها مثليون ومثليات من جميع أنحاء العالم، تحت شعار "لا للاحتلال .. لا لجدار الفصل العنصري"، عبر تظاهرات في المناطق الفلسطينية التي اقتطعت فيها أراضي المواطنين لصالح إقامة "الجدار"، وتقول: لن نشارك في أية فعالية لا تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وسنطالب بإلغاء هذه المسيرة كما حدث العام الماضي، لأن فيها تزييفاً للحقائق، عبر التعاطي مع إسرائيل كرمز الديمقراطية والحضارة في المنطقة، في تجاهل سافر لمعاناة الفلسطينيين جراء الاحتلال وسياساته .. لا أدري كيف نقبل كمثليين ومثليات فلسطينيين المشاركة في هكذا مسيرة، بينما يقع شعبنا تحت الاحتلال والحصار والممارسات العنصرية؟!
وتضيف روضة: هناك محاولات مستمرة لإظهار أن جمعيات المثليين الإسرائيلية تدعم الحقوق الفلسطينية، وتناهض الاحتلال، وهذا غير صحيح، فـ"90% منها لا يعرفون شيئاً عن الاحتلال، أو لا يريدون أن يعرفوا .. فقط مجموعتي "الغسيل الأسود و"بيت النساء"، من تناهضا الاحتلال علانية.
وتتابع: أعتقد أن هناك أزمة هوية لدى المثليين والمثليات الفلسطينيين المشاركين في المسيرة أو موكب الفخر هذا .. بالنسبة لنا ليس لدينا أية تساؤلات عن "الهوية" .. نحن فلسطينيات، ومعظمنا ناشطات سياسيات، والسبب في أننا نعمل تحت غطاء القوانين الإسرائيلية، يعود لأن القانون الفلسطيني لا يسمح بإنشاء أي تجمع علني لممارسي "المثلية الجنسية".. نحن نأمل أن يأتي اليوم الذي نناضل فيه ضد الاحتلال من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحت غطاء قانوني فلسطيني.
من جهتها ترفض حنين، منسقة المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح، الحديث عن "مسيرة الفخر كحدث لترويج إسرائيل، والإساءة إلى الفلسطينيين"، وتقول: نحن ندرك أن ثمة جمعيات إسرائيلية تستغل "الحرب المجتمعية" المفروضة على المثليين والمثليات الفلسطينيين، لاعتبارات سياسية، كالإساءة إلى السلطة الفلسطينية، أو التسويق لإسرائيل، لكنا لسنا من هؤلاء .. كل ما في الأمر أننا مؤسسة مقدسية، تركز عملها على دعم وتمكين المثليين في المدينة المقدسة، بغض النظر عن دياناتهم، وأعراقهم .. هناك مؤسسات كثيرة تعنى بمناهضة الاحتلال، والجدار، وسياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ولا يوجد من يهتم بالمثليين والمثليات .. نحن نبتعد عن السياسة، لكنا في ذات الوقت لسنا سذجاً.


مرض أم لا ..
وترفض روضة، منسقة، "أصوات" التعاطي مع "المثلية الجنسية" كمرض نفسي أو عضوي، مشيرة إلى أن كتاب (DSM4)، وهو من أهم المراجع الطبية أكد أن "المثلية ليست مرضاً"، وأنها أمر طبيعي، وتقول: نرفض الاتهامات المرضية، وأي حديث مبنى على افتراضات ومفاهيم مسبقة لا أساس لها من الصحة.
ويقول المرشد النفسي، مرزوق داود: من الصعب أن نعترف بهذه النتيجة العلمية، كونها تمس الكثير من المعتقدات الدينية إزاء المثلية، رغم أنني بدأت أشعر أن المثلية الجنسية ليست مرضاً، خاصة بعد أن حاولت برفقة طبيب بارع التعاطي مع المثلية على أنه مرض، من خلال العمل على "علاج" شاب فلسطيني من شمال الضفة الغربية، لسنة كاملة، حيث كانت النتائج "مخيبة للآمال" .. في الحقيقة بدأت أقتنع بأن "المثلية الجنسية ليست مرضاً"، رغم ما يمكن أن تهدمه هذه النظرية من قيم دينية، واجتماعية.
ويضيف داود: صادفتني الكثير من الحالات خلال عملي، ولم أتمكن من تشخيص أسباب محددة للمثلية الجنسية، أو عوارض مرضية ما، إلا أن الانتشار "غير القليل" لهذه الميول الجنسية في فلسطين، حيث هي مرفوضة اجتماعياً ودينياً، يجعل من الصعب تعميم نظرية أن "المثلية الجنسية ليست مرضاً نفسياً أو عضوياً"، وربما يعزز ذلك شعور المثليين أنفسهم بعادية ما يقومون به، فهم، وفي الكثير من الحالات، يمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية، كأي مسلم أو مسيحي أو يهودي من غير المثليين، كما أن العديد منهم على قناعة بأن "الله خلقهم هكذا، وبالتالي لا يعقل أن يعاقبهم، أو يرفضهم"، مشدداً على أهمية الحديث عن هذه "الظاهرة" في فلسطين، والتي يمكن للكثير من العاملين على خطوط المساعدة النفسية والاجتماعية في برامج الجمعيات النسوية والأسرية في الضفة والغربية، التأكيد على انتشارها، علاوة على أطباء الأمراض التناسلية، وحتى النسائية الذين باتت تشتكي لهم عشرات، وربما مئات النساء، من "مثلية أزواجهن، واكتفائهم بمضاجعتهن من أدبارهن، بل والامتناع عن مضاجعتهن كبقية النساء الأخريات"، كما أن رواجها في الموروث الشعبي الفلسطيني، عبر النكتة التي تمس في العادة رجال مدينة بعينها في الضفة الغربية، دليل على شيوع الظاهرة منذ عقود أو أكثر.
من جهتها تشير اعتدال الجريري، الاختصاصية النفسية في جمعية المرأة العاملة في رام الله، إلى أن "من يأتين إلى الجمعية بهذه الخصوص، على قلتهن، يعانين في العادة من شعور بالذنب، على اعتبار أن ما يقومون به "خطيئة، أو شذوذ"، وبعضهن يطلبن منا استشارات بخصوص الضغوطات التي يتعرضن لها من الأسرة للزواج وتكوين أسر خاصة بهن، في وقت لا يرغبن فيه بذلك، كما لا يردن، بأي حال من الأحوال، الإفصاح عن ميولهن الجنسية.
وتقول الجريري: بغض النظر عن القناعات الشخصية لنا، كاختصاصيين نفسيين لا يمكننا التعاطي مع المثلية الجنسية كمرض، خاصة أن لذلك تأثيرات سلبية للغاية على نفسية المثليات والمثليين.
وتفيد دراسات نفسية حول المثلية الجنسية في العالم العربي، إلى أن المثليين والمثليات يعانون من انعدام الدعم من قبل العائلة، حيث يعزلون عن بيئتهم المحيطة، وفي أحيان كثيرة يطردون من البيت، علاوة على العنف الكلامي والجنسي والجسدي الذي يتعرضون إليه من قبل أفراد العائلة، والرفض المجتمعي لهم، ما يضطرهم إما إلى الاحتفاظ بسرية هويتهم الجنسية، أو إلى الهروب، كما يحدث في الفلسطينيين الذين "يلجأون" إلى إسرائيل.

(انتهى)


المثليون في الاراضي الفلسطينية - مهم



جمعيات محلية للدفاع عن حقوقهم و"عقاب المجتمع" وراء هروبهم لإسرائيل
المثليون والمثليات في الأراضي الفلسطينية .. أكثر من مجرد "حكايات مثيرة" !

رام الله - يوسف الشايب:


بدأت سيرين (27 عاماً) تشعر بميول مثلية تجاه صديقتها التي ما انفكت تحدثها عن ميول مشابهة، عندما كانت في العشرين من عمرها، حيث نسجتا علاقة "عاطفية وجنسية" استمرت لأعوام، وعن ذلك تقول: لم يكن صعباً أن أحضر صديقتي الأنثى إلى غرفتي، وممارسة ما يلبي رغباتنا، فلا مشكلة لدى الأهل تجاه ذلك، فهم لا يعرفون شيئاً عن ميولنا الجنسية، وكل ما يهمهم أن نبتعد عن مرافقة الشبان الذكور .. كان الأمر الأصعب بالنسبة لنا، في أول علاقة لكل منا، هو أن نصارح أنفسنا بأننا مثليات، فلم يكن من السهل على فتاة مثلي، تربت على قيم دينية واجتماعية ما، أن تتحدث مع نفسها بهذه الشفافية .. مع الوقت بدأت أتقبل الفكرة، لكني كنت، ولا زلت، أخشى على والديّ منها، رغم أنهما جامعيين، ومن أصحاب التفكير الليبرالي الحر، لكن فكرة أن ابنتهما "مثلية" قد تدمر حياتهما، وهذا ما لا أريده .. عشت بمفردي في مدينة قريبة لارتباطي بعمل هناك، وغيرت تسريحة شعري، حتى أن البعض بات يناديني تهكماً بـ"إيش يا شب"، ولم يكن لديهما أدنى مشكلة في ذلك، لكن الأمر مع "المثلية" مختلف، فوالدتي كانت تشجعني على الزواج، طوال تلك الفترة.
بعد أن كشف أمرها، تركت سيرين الضفة الغربية باتجاه إسرائيل، كي "لا تؤذي مشاعر والديها، إذا ما صادفاها يوماً، وكي تمارس حريتها الجنسية هناك"، وعن ذلك تقول: علاقتي الأولى كانت مع صديقتي الفلسطينية، أما الآن فجميع علاقاتي مع إسرائيليات .. هناك مثليات في الأراضي الفلسطينية، لكن ليس من السهل الكشف عنهن، فهن كبقية البنات يرتدين فساتين، وشعورهن طويلة، ويضعن الماكياج .. من الأسهل بالنسبة لي التوجه نحو الإسرائيليات.
وتقر سيرين، صعوبة إحداث تغيير في نظرة المجتمع الفلسطيني للمثليين والمثليات في يوم وليلة، خاصة أنه مجتمع "متزمت، ومحافظ، وديني"، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يلعب دوراً كبيراً في توجهه نحو مزيد من التزمت والتعصب الاجتماعي والديني .. وتقول في حديث هاتفي خاص: استغرقت عامين كاملين لأقنع نفسي بأنني "مثلية"، وبأنني أملك مشاعر معينة تجاه الفتيات .. الأمر بالتأكيد يحتاج إلى وقت طويل لإحداث تغييرات مجتمعية بهذا الاتجاه، لكني متفائلة بأن التحول بالنظرة الاجتماعية تجاه المثليين والمثليات سيأتي يوماً، وها نحن نناضل، وننتظر.
أما وائل (29 عاماً)، فبدأ يشعر باللذة في سن الثالثة عشرة، أي عند البلوغ، بعد أكثر من ست سنوات كان يتعرض فيها للاغتصاب، "دون وعي منه بما يحصل"، من جاره الخمسيني وقتها، ومن عدد من أقاربه، بينهم شقيقه الأكبر .. ويقول في حديث خاص: منذ أن وعيت ما كان يحدث لي، وأنا أشعر بلذة عندما يضاجعني أحدهم .. أهلي باتوا يرضخون للأمر الواقع .. بداية كنت أشعر أن ما أقوم به كارثة، فصورة المجتمع عمن يمارس مثليته الجنسية سلبية للغاية، لكني بدأت أدرك عادية الأمر، خاصة بعد فشل الاختصاصيين النفسيين، والأطباء في وضع حد لمشاعري المثلية .. لا تثيرني أية امرأة .. هكذا أنا، وعليّ أن أستوعب نفسي، وأتمنى أن يستوعبني الناس.
وقبل أربعة أعوام، ضبط رامي (22 عاماً) في الفراش مع صديق له، فانهال عليه شقيقه الأكبر ضرباً، وكاد والده يقتله .. بعد أشهر ضبط مرة أخرى، فشاع الخبر في أحد مخيمات اللاجئين بغزة حيث يعيش، وما هي إلا أياماً قليلة وألقت الشرطة الفلسطينية القبض عليه، حيث أخبر أن شريكه في الفراش شرطي هدفه الإيقاع بمثليّي الجنس من الفلسطينيين، وأن عليه أن يمارس الدور نفسه إن أراد أن ينجو من "التعذيب"، وربما من "الفضيحة"، وعندما رفض، تفنن أفراد الشرطة بالتنكيل، سواء في غزة، أو في طولكرم التي فر إليها لاحقاً، حيث وضع في برميل من الماء البارد غمره حتى أسفل وجهه، ثم غطي بكيس مليء بالغائط، ثم ألقي في زنزانة مظلمة مليئة بالحشرات والقوارض التي كان يحسن بلسعاتها ولدغاتها ولا يراها، في حين أجبر أيضاً على الجلوس فوق زجاجة مشروبات غازية (كولا) فارغة، كما لم يخل الأمر من شتائم وسخريات استمر في إطلاقها المحققون، والسجانون، وحتى السجناء.
بعد إطلاق سراحه عبر رامي "الخط الأخضر" ليعيش ويعمل في مطعم بقرية عربية هناك، حيث لا يعرفه أحد، حلمه كما يقول أن يعيش في تل أبيب، "حيث لا يكترث أحد لكونه مثلي الجنس أم لا، لكنه يخشى أن يضبط ويرحل لغزة، لعدم شرعية إقامته في إسرائيل، لذا يفضل في الفترة الحالية، على أقل تقدير، البقاء حيثما يعمل.
أما حكاية تيسير (23 عاماً) والتي تعود لستة أعوام، فتتلخص بأن أفراداً في الأجهزة الأمنية الفلسطينية اشتبهوا بأن أحد أصدقائه مثليّ، وبأنه كذلك، وعمدوا بسبل عدة إلى إجباره على الاعتراف بهوية جنسية لا تخصه .. مكث في زنزانة "حقيرة" لثلاثة أسابيع، تعرض فيها لأصناف مختلفة من التعذيب، من بينها إلقاؤه في "بالوعة مجاري"، وشوي يديه بـ"التوستر"، لعله يعترف بما ليس هو عليه، إلى حين أن تعاطف معه أحد المحققين، وأفرج عنه، بعد كفالة خاله الذي كثيراً ما تردد على مقر الجهاز للسؤال عنه.
بعد ساعتين قدم مسلحون ملثمون من حركة "حماس"، وأبلغوا والدته وخاله نيتهم فتح تحقيق معه، للتحقق من هويته الجنسية، فأنكرا وجوده بالمنزل .. يقول تيسير: شقيقي الأكبر، رجّح أنني سأقتل على يد رجال حماس، بعد أن نجوت بأعجوبة من تعذيب الأجهزة الأمنية، خاصة أن شقيقي الأصغر، وهو ناشط في حماس، بدأ يمارس ضغوطاً على العائلة لتسهيل مهمة رجال حركته بالتحقيق معي .. أعطاني شقيقي الأكبر بعض النقود، وطلب مني الفرار إلى إسرائيل، وفعلت.
ويسرد تيسير المزيد بقوله: بقيت في منزل صديق فلسطيني يعيش في إحدى المدن العربية بإسرائيل لخمسة أشهر، إلى أن شفيت من الإصابات والحروق التي تعرضت لها خلال التحقيق، وبدأت أبحث عن عمل، حتى حصلت على مهمة جلي الصحون في أحد المطاعم .. الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، فأحد أشقائي الذين يكبرونني كان يبحث عني لقتلي، كي "يغسل العار الذي تسبب به للعائلة، كما يقول"، ما اضطرني لتغيير عنواني، ورقم هاتفي أكثر من مرة.
ويعترف تيسير: أنا خائف للغاية، خاصة أنني ضبطت لأكثر من مرة في إسرائيل، دون تصريح رسمي بالعمل هناك، هذا التصريح الذي عادة لا يمنح لمن هم في مثل سني "لدواع أمنية"، وفي كل مرة كانوا يعيدونني إلى الضفة الغربية، حيث قريتي، لأحاول التسلل إلى هناك ثانية، فإن شاهدني أحد من أفراد عائلتي أو حتى قريتي قد يقتلني، خاصة أنهم حكموا علي بالعمالة للجهات الأمنية الإسرائيلية، يعني "موت وخراب ديار" .. التسلل إلى إسرائيل بات صعباً للغاية، خاصة جدار الفصل العنصري، وأنا بت أخشى على حياتي حقاً .. لو كنت مثلياً لتحملت تبعات أن تكون كذلك في مجتمع ذي قيم تحرم، وترفض، بل وتعاقب المثليين، لأنه خياري، لكن الأدهى والأمر أنني بت "مثلياً" و"جاسوساً" في أعين الناس، وحتى أشقائي، رغماً عني .. "أدركت الآن كم نحن نعيش في مجتمع ظالم .. كل ما أتمناه أن أحيى حياة طبيعية، ليس إلا".

مبالغة
"المثليون والمثليات في أراضي السلطة الفلسطينية، يواجهون خطر الحبس، والتعذيب، وحتى الموت، فالقانون السائد في هذه الأراضي يجرم المثلية الجنسية، وفي الكثير من الحالات تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتعذيبهم" .. هذا ما خلصت إليه العديد من المجموعات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان في تقاريرها، التي تشير إلى أنه لا يمكن تقديم إحصاءات دقيقة عن حالات التعذيب التي تعرض لها المثليون والمثليات في مراكز الأجهزة الأمنية الفلسطينية المختلفة، كون أن من يقع عليهم التعذيب يخشون التصريح بذلك، كما يخشون الحديث عما تعرضوا إليه من تعذيب، كي "لا يضطهدوا مجتمعياُ"، بوصفهم "شواذ"، حسب التعبير الفلسطيني، والعربي عموماً، المرادف للمثليين والمثليات.
ويؤكد مصدر واسع الإطلاع في الشرطة الفلسطينية، أن ثمة مبالغة كبيرة في هذه التقارير، فمن غير الصحيح أنهم يواجهون الحبس، فلا يوجد ما يجرم اللواط للبالغين في قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطيني، كما لا يوجد في أجهزة الأمن الفلسطينية "من يختص بالتربص للمثليين والمثليات، للإيقاع بهم، أو سجنهم"، على عكس بعض الدول العربية، فمعظم الحالات ترد "مصادفة" إلى مراكز الشرطة، أو غيرها من الأجهزة الأمنية، ففي الغالب يجري التبليغ عن سيارة مشتبه بها في منطقة مهجورة، وعند مداهمتها نكشف، في العديد من الحالات، أنها بغرض الممارسات الجنسية، بما فيها المثلية، "بعيداً عن أعين الناس" .. في أغلب الحالات يتم التغاضي عما حدث، ويخلى سبيلهم على الفور، إذا لم يثبت تورطهم بقضايا أخرى.
ويؤكد المصدر الفلسطيني أن الحالات التي تعرضت للتعذيب في مراكز الأمن الفلسطينية، إن صدقت التقارير الحقوقية الدولية "قليلة للغاية، ولا تستند لأي غطاء قانوني، وهي ليست سوى تصرفات فردية، تعكس، ربما، نظرة المجتمع والدين للمثليين والمثليات".. ويقول: اقر بأن هناك بعض حالات الابتزاز بحق المضبوطين، وخاصة في العلاقات الجنسية بين شاب وفتاة، وبدرجة اقل في العلاقات المثلية، ونحن نحارب ذلك بشدة، كما لا أنكر أنهم يتعرضون، في بعض الأحيان، لإيذاء نفسي، عبر الألفاظ والعبارات الساخرة من المحققين، والسجانين، وحتى السجناء .. ليس من السهل ضبط هذه الأمور، ولا أعتقد أن تعميماً بخصوصها قد يفي بالغرض.
وينفي المصدر نفسه وفاة أي مثليّ أو مثلية بسبب التعذيب من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، مشيراً إلى أن ما تفصله بعض التقارير الإسرائيلية والدولية من معلومات "مشكوك في الكثير منها"،ربما تتحدث عن مسلحين مجهولين، وفي الغالب في الانتفاضة الأولى، أي ما بين العامين 1987 و1993، حيث كان قادة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم لا تنقصه الرعونة، هم من يضبطون الأمور على أرض الواقع، وكانت تحدث الكثير من الأخطاء وقتها، وخاصة على الصعيد الاجتماعي .. ويقول: كانوا في تلك الفترة يتعاطون مع أية ظاهرة "غريبة" عن المجتمع، على أنها من صنيعة الاحتلال، وبالتالي، وفي كثير من الحالات لم يكونوا يفرقون بين من يمارس علاقات جنسية غير شرعية (خارج إطار الزواج)، وبين العملاء، وهذا الأمر ينطبق على المثليين، ما أدى إلى مقتل عدد منهم، رغم براءتهم من تهم "العمالة"، و"خيانة الوطن" .. كانوا ينظرون إلى المثلي "الشاذ جنسياً"، على أنه عميل للاحتلال، وبالتالي فإنه يستحق القتل.. الصورة تغيرت الآن، وبات هناك قوانين تحكم الأمر، ولم نسمع، حتى في أسوأ حالات الانفلات الأمني التي سادت في الانتفاضة الثانية عن مقتل شاب لميوله الجنسية المثلية، كما حدث في الانتفاضة الأولى .. لا يوجد أية قوانين تعاقب "الشواذ"، كما تدعي هذه التقارير، وبالتالي هم ليسوا عرضة للحبس، ولم يعودوا عرضة للتعذيب أو الموت .. في الغالب يتم التحقيق مع من يضبط منهم، ويخلى سبيله، بعد أن يقضي، في بعض الحالات، أياماً معدودات في السجن، من باب "التأديب".
ويشير المصدر الشرطي الفلسطيني، إلى أنه من الصعب ضبط حالات لفتيات مثليات، لأنهن في الغالب يعبرن عن رغباتهن الجنسية في غرف مغلقة، وداخل بيوتهن ربما، في حين يلجأ بعض الشبان إلى التعبير عن ميولهم الجنسية المثلية عبر الانطلاق في سيارة أحدهم إلى منطقة مهجورة، فيضبطون، مشيراً إلى أنه، وطوال السنوات الطويلة له في العمل لم يسجل سوى حالتين لمثليات، أولهما عبر بلاغ عن حفل جماعي داخل أحد منازل مدينة في وسط الضفة الغربية لمثليات فلسطينيات، وتم تحويلهن إلى المحكمة بتهمة خدش الحياء العام ليس أكثر، والثانية لفتاة أقدمت على الانتحار، بعد إرغام شريكتها بالفراش مغادرة سكن الطالبات الذي كان يجمعهما.
ولا ينكر المسؤول الأمني ما يجري الحديث عنه، بخصوص ضبط العديد من الحالات داخل زنانين الاعتقال في مراكز الشرطة الفلسطينية، ويقول: هذه الحالات تنجم في العادة عن الكبت لأشهر وسنوات طويلة، وليس لميول جنسية مثلية، وقد تم ضبط العديد منها في السجون الفلسطينية .. أذكر أن أحد المعتقلين أصيب بحالة هستيرية لمجرد قمنا بترحيل شريكه إلى سجن آخر.. البعض، وخاصة في السجون، يلجأ إلى الملاوطة من باب أنه "لا بديل"، ليس أكثر.

جهات مشبوهة
وكشف مسؤول أمني فلسطيني، عن قيام جهات فلسطينية "تدعي الوطنية"، بإشراك شبان وفتيات فلسطينيات في مخيمات ونشاطات شبابية برفقة نظرائهم من إسرائيل ودول أوروبية، حيث يقعون هناك في شرك علاقات غير شرعية، من بينها علاقات مثلية، تنتهي ببعضهم إلى أحضان المخابرات الإسرائيلية، التي تجندهم جواسيس على أبناء شعبهم.
ولا ينفي المسؤول الفلسطيني قيام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستغلال الميول الجنسية المثلية لبعض الفلسطينيين .. ويقول: المخابرات الإسرائيلية تستثمر المخاوف التي تساور المثليين الفلسطينيين من العقاب المجتمعي في حال اكتشاف أمرهم، فتجندهم للعمل تحت مظلتها.
ويضيف: هم يقدمون لهم ما يلبي لهم ميولهم ورغباتهم الجنسية، وبذلك يكسبوهم إلى صفهم .. نحن ندرك خطورة الأمر، لكن لا يمكننا الانتصار لشذوذهم، أو العمل على تنظيمه للحيلولة دون ارتمائهم في أحضان سلطات الاحتلال، فهذا مخالف لأعرافنا الاجتماعية، ولقيمنا وتقاليدنا، ولتعاليم الدين أيضاً، ولقناعاتنا الشخصية أيضاً.
ويرفض المسؤول نفسه أية اتهامات لأجهزة الأمن الفلسطينية بتعذيب أو التنكيل بالمثليين والمثليات الفلسطينيين، ويقول: لا يوجد في القانون الفلسطيني ما يجرم المثلية الجنسية بأنواعها، خاصة إذا ما كان الطرفان فوق الثامنة عشرة، كما أننا لا نهتم إلا بالقضايا ذات الطابع الأمني، والتي قد يتورط بها مثليون أو مثليات .. نحن لا نعذب أي منهم، وأكاد أجزم بأن وراء هذه التقارير الحقوقية غير الصحيحة في الكثير من تفاصيلها، أهدافاً مشبوهة .. "علاوة على بعض الجهات الإسرائيلية والغربية، يوجد جهات فلسطينية تروج لهذه الافتراءات، وتعمل على تنفيذ أجندة تمليها عليها أطراف خارجية، لضمان تمويلها، مهما أساءت لصورة الفلسطيني في العالم .. ما يقال عن تعذيب الأجهزة الأمنية للمثلين والمثليات في الأراضي الفلسطينية افتراء وكذب، ولا أساس له من الصحة، وإن كان ثمة بعض الحالات هنا وهناك، فهي حالات فردية ليس إلا.

القوانين
وتؤكد نصوص قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، والمعمول به في الضفة الغربية، ما ذهب إليه المسؤولان الفلسطينيان، حيث لا يوجد أي ذكر للفظ "اللواط"، أو "السحاق"، أو "المثلية الجنسية"، كما لا يوجد، إطلاقاً، ما يجرم ممارسة "المثلية الجنسية" للبالغين، إلا في حالات الاغتصاب، على عكس ما ذهب إليه مشروع قانون العقوبات الفلسطينية، المقر بالقراءة الأولى حتى الآن، ولا يزال يحتاج لإقراره بقراءتين إضافيتين، فالمادة (262) تنص على أن "كل ذكر ارتكب فعل اللواط مع ذكر آخر بلغ من العمر ثماني عشرة سنة أو أكثر، وكان ذلك برضاه، عوقب كل منهما بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وإذا كان الفاعل أحد أصول المفعول به، أو من المتولين تربيته، أو ممن لهم سلطة فعلية عليه، أو كان مستخدماً عنده، أو عند أحد ممن تقدم ذكرهم، عوقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات".

إلى إسرائيل
وبسبب "التابو" الاجتماعي والديني تجاه المثلية الجنسية، "يلجأ" العديد من المثليين والمثليات الفلسطينيين إلى إسرائيل، حيث يعيشون أوضاعاً صعبة تشبه الأوضاع التي يعيشها المهاجرون غير الشرعيين في الدول الأوروبية .. فحسب إحصاءات جمعية "أغودا"، أكبر تجمعات المثليين والمثليات في إسرائيل، إنه وحتى صيف 2004، هناك أكثر من 300 مثليّ فلسطيني "لجأ إلى إسرائيل"، ومعظمهم ممن تتراوح أعمارهم بين (14 و22 عاماً)، وهم في الغالب لا يتحدثون العبرية أو أية لغة غير العربية، كما أن الكثير منهم لم يكن يملك غير ملابسه.
ويشير شاؤول غانون، مدير الجمعية إلى أن عدد المثليات الفلسطينيات الوافدات إلى إسرائيل أقل بكثير، ففي الـ"أغودا" ثماني مثليات من الضفة الغربية، اثنتين منهن نجتا بأعجوبة، بعد أن اكتشف أمرهما في الفراش، بإحدى قرى الضفة الغربية، وفرتا هاربتين بملابسهما الداخلية، في حين كان يطاردهما قرابة 400 من سكان القرية، بعضهم حمل سيوفاً وسكانين لقتلهما.
ويؤكد غانون أن معظم المثليين والمثليات الفلسطينيين، ورغم الحرية الجنسية نسبياً، يعيشون ظروفاً صعبة في إسرائيل، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، حيث القوانين المتشددة بخصوص تواجد الفلسطينيين عموماً في القرى والبلدات والمدن الإسرائيلية، وبالتالي يتم ترحيل الكثير منهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في حال ضبهم، علاوة على السجن لأيام، وتوقيع غرامات باهظة أحياناً.
وتنتقد العديد من المجموعات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان مواقف السلطات الإسرائيلية من المثليين والمثليات الفلسطينيين، وخاصة ما يتعلق بترحيلهم عن الأراضي الإسرائيلية، بما يخالف القانون الدولي .. ورغم اتخاذ محكمة العدل الإسرائيلية بعض الأحكام الاستثنائية بخصوص ترحيل المثليين والمثليات الفلسطينيين، إلا أن تطبيقها يبقى محدوداً على أرض الواقع.
من جهتها نجحت جمعية "أمنستي" الحقوقية الدولية في منح حق الإقامة في إسرائيل لأحد المثليين الفلسطينيين، لكن لفترة مؤقتة، في حين تسعى جمعيات إسرائيلية للمثليين والمثليات بإقناع دول أوروبية استضافة عشرات المثليين والمثليات الفلسطينيين المقيمين بطريقة غير شرعية في إسرائيل، للتخفيف من معاناتهم ومخاوفهم، لكن حتى اللحظة لا تقدم في هذا الاتجاه.


أصوات
في العام 2002 أقامت شابتان فلسطينيتان مجموعة حوار عبر البريد الالكتروني للفلسطينيات المثليات، وبعد أن تبلورت الفكرة بدأت المجموعة تتسع، رغم أن شروط العضوية كانت معقدة للغاية، فلا يمكن لأية فلسطينية الانضمام إلى المجموعة إلا إذا كانت على علاقة مباشرة بإحدى العضوات، للمحافظة على "السرية، والخصوصية، والأمان، وكي لا يقتحم أحد المجموعة بقصد التخريب" .. مجموعة "الحوار" تحولت بعد لقائها الأول في كانون الثاني من العام 2003، إلى تجمع منظم يحمل اسم "أصوات"، ويضم مثليات فلسطينيات من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، ينسجن علاقات مع مثليات من قطاع غزة، والأردن، ولبنان، ومصر، ودول الخليج العربي، وتقول روضة، منسقة "أصوات"، التي اتخذت من حيفا مقراً لها، في حديث هاتفي: كنا ثمانية من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني في اللقاء الأول، ونحن الآن 20، تلتقي منا 16 بشكل دوري .. هناك أهداف كثيرة نسعى لتحقيقها، لكن مجرد تنظيم تجمع لنساء مثليات فلسطينيات، يلتقين على الأهداف والرؤى، وينسقن فيما بينهن إنجاز بحد ذاته، فنحن لا نريد أن تقضي المزيد من المثليات أعمارهن، وهن لا يدركن أن ثمة مثليات مثلهن في المجتمع الفلسطيني.
وتضيف روضة: نحن نساء فلسطينيات مثليات .. التقينا واتحدنا لنعمل على تدعيم و تثقيف أنفسنا وغيرنا من النساء حول جنوسيتنا وجندريتنا وحقوقنا.. جئنا لأجل بناء جسر بيننا وبين مجتمعنا، وكسر حاجز الصمت وإيصال أصواتنا للجميع بأننا موجودات .. كفانا صمتاً واختباء وراء كواليس الخوف والشك، وداخل خزائن التساؤلات والتخبطات.. لقد حان الوقت لنخطو أول خطواتنا نحو تحقيق حلمنا بالعدالة المجتمعية، وزيادة الوعي والثقافة حول العلاقات المثلية، والثقافة النسوية، والحقوق المتساوية.
وحسب روضة، فإن رسالة أصوات هي العمل كمجموعة نساء فلسطينيات مثليات, للتعبير عن "آرائنا, وتعريف النسوية الفلسطينية، ومخاطبة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتعريف العلاقة ما بين هوياتنا الوطنية, الجنسية، والجندرية، آملين أن نتمكن من توفير المكان الآمن لكل امرأة فلسطينية مثلية، في محاولة لكسر حاجز الصمت من خلال الحوار, التثقيف الذاتي, النشاط الجماهيري، والتغيير الاجتماعي، في حين تسعى المجموعة بالإضافة إلى ذلك، باتجاه تغيير المفاهيم المجتمعية، نحو إيجاد لغة للتواصل مع احتياجات مجتمعنا, ومن أجل وضع الحرية الجنسية على أجندة المجتمع الفلسطيني.
ولتحقيق أهداف "أصوات"، ترى روضة أنه لابد من العمل في اتجاهات عدة، من بينها إقامة مكان آمن وسري لتدعيم النساء الفلسطينيات المثليات، والتضامن معهن، ومحاربة تشويه ومراقبة المعلومات المتعلقة بالعلاقات المثلية، والأفكار المسبقة، والجهل الناتج عن المحرمات المجتمعية المتعلقة بجنوسية المرأة، والحرية الجنسية، والمزيد من التواصل مع النساء الفلسطينيات المثليات اللواتي تعشن داخل "الخزانة" برفقة مشاعر الخزي، وخلف هويات مستترة، وتدعيمهن ليصبحن مصدر حقوق الأقلية المثلية في المجتمع الفلسطيني، علاوة على إنتاج مواد ذات جودة وقيمة ثقافية عالية، تخدم مشاريع "أصوات"، وزيادة حضور جنوسية المرأة والحرية الجنسية في اللغة والثقافة العربيتين.
وتكمن الصعوبات برأي روضة في "الصمت الذي يغلف ويحيط بموضوع المثلية الجنسية في فلسطين، والتعامل مع الأمر على اعتبار أنه كارثة، وعدم إعطاء الشرعية لمجرد طرح التساؤلات، فالمثليّ لا مكان له في المجتمع الفلسطيني" .. صحيح نحن نساء فلسطينيات، وعدد منا ناشطات في مؤسسات فلسطينية حيوية، لكنا، حتى اللحظة، لم نكتسب شرعيتنا كمثليات، كون أن شرعية الحرية الجنسية غير موجودة في ثقافة مجتمعاتنا .. وتقول: يكاد الإحباط يسيطر على الكثير من المثليات الفلسطينيات، لاسيما مع بقاء الأمر في دائرة المسكوت عنه، أو غير المحكي، ففي أجواء ملبدة بالسرية، تعيش المثلية الفلسطينية حياة مزدوجة بين علانيتها وسريتها .. هذه هي الصعوبة الأكبر، فإذا ما كشفت أي منا عن هويتها الجنسية، تنبذ وتعامل كأنها حيوان مقزز، فجميع قوى المجتمع، على تناقضاتها تتحرك ضدنا.
وأنجزت "أصوات" مؤخراً موقعها على الإنترنت، بلغات عدة، من بينها العربية، وتعمل وتخطط لجملة من المشاريع منها مشروع التثقيف ورفع الوعي، ومشروع المعلومات والنشر، كما تعمل، وبدعم إيطالي، وبالتنسيق مع مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني في رام الله، لإقامة خط داعم (هوت لاين) للمثليين والمثليات، يتم عبره تقديم المعلومات والنصائح، عبر اختصاصيين وأكاديميين.
وتشير روضة، إلى أن الجمعيات الفلسطينية، وخاصة النسوية منها، سواء بالضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر، باستثناء "كيان" الحيفاوية التي وفرت غطاء قانونياً للمجموعة، رفضت التعاطي مع "أصوات" لأسباب تتعلق بالأجندات الحزبية وغير الحزبية التي ينفذونها .. "إنهن يخشين على كراسيهن، ولا يملكن الجرأة الكافية للمواجهة، كما أن العديد منهن، ولو كن مثليات أو مقتنعات بحقوق المثليات، فإنهن، ولمصالحهن الخاصة، يتساوقن مع المجتمع في التعاطي مع الهوية الجنسية المثلية على أنها شذوذ، أو مرض نفسي أو عضوي، مع أن الكثير منهن يدركن جيداً أن الدراسات الطبية الحديثة، وآخرها المرجع الطبي الشهير (DSM4)، أثبتت أن "المثلية الجنسية ليست مرضاً نفسياً أو عضوياً"، وبالتالي علينا التعاطي مع الأمر بمكاشفة، للخروج من دائرة الصمت والأفكار المسبقة.
وكان لأصوات مواقف واضحة ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، كما رفضت، الصيف الماضي، العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأعربت عن تضامنها مع المثليين اللبنانيين، الذين فتحوا مقرات مؤسساتهم لإيواء العائلات النازحة للجنوب، وقدموا الدعم لهم، كما ترفض الاقتتال الداخلي الفلسطيني.

البيت المفتوح
وفي العام 2002 أيضاً، تم إنشاء المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح في القدس، ويهدف إلى تقليص الفجوة، والنقص في الدعم، والشعور بالوحدة، وعدم توفر الأطر المختلفة للمثليين، المثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية من الفلسطينيين، وخاصة المقيمين داخل الخط الأخضر، في إطار مشروع البيت المفتوح الذي تأسس في العام 1997، وهي جمعية للمثليات، المثليين، مغايري وثنائيي الهوية الجنسية ممن يسكنون في القدس والمناطق المجاورة، تروج للتعايش، والسلام، والمساواة بين سكان "المدينة المقدسة"، وترى أن الحب يعلو على الحدود الحضارية والعرقية، وحتى الحروب، لاسيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتقول حنين منسقة المشروع: في مجتمعنا، لا يزال موضوع العلاقات الجنسية المثلية والانجذاب إلى نفس الجنس بمثابة "تابو"، ولا يزال المجتمع الفلسطيني يتعامل مع الهوية الجنسية المثلية، الثنائية، والمغايرة، على أنها شذوذ، ومرض، وعار للفرد والعائلة، ويسود اعتقاد بان الحضارة الغربية هي من أفرزت المثليين والمثليات بهدف ضعضعة أسس المجتمع العربي وحضارته، ومن هنا كان تأسيس المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح بالقدس، كشبكة فلسطينيين مثليين، مثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية، تعمل على بناء وسط مثلي فلسطيني من خلال تقديم الدعم والتمكين الفردي والجماعي.. ولنقول صراحة بأننا "فلسطينيون من المثليين والمثليات، مسلمون ومسيحيون، نحاول الدمج بين هويتنا الجنسية وأسس حضارتنا وهويتنا العربية، ونتعامل مع وضعنا الخاص كمصدر للقوة، كما ونؤمن بالنضال من اجل استقرارنا وكينونتنا، وحقوقنا، وقيمنا ومعاييرنا، كما نعي احتياجاتنا الخاصة بشكل أفضل، ويمكننا العمل على تطوير المجتمع المثلي الفلسطيني، ومواجهة الصعوبات والتخبطات".
وتضيف حنين: رغم صعوبة عملنا، فقد نجح مشروعنا الجديد بإحداث تغيير كبير لدى الكثير من المثليين والمثليات الفلسطينيين، حيث أصبح شعارا هاما لتعدد الآراء والقيم في الوسط المثلي خاصة، والشارع الفلسطيني في القدس عامة، عبر سلسلة من النشاطات والمشاريع التي نقوم بها، من بينها موقع الانترنت باللغة العربية، وخط الدعم والمساعدة، حيث يقوم المتطوعون المؤهلون بتقديم الدعم الفردي وقت الضيق، وتقديم الإرشاد والمعلومات الضرورية للمثليين والمثليات، ثنائيي ومغايري الهوية الجنسية من الناطقين باللغة العربية، علاوة على الحفلات المثلية العربية، والتي ينظمها المشروع شهرياً في "بار شوشان"، ويقع على خط التماس بين القدس الشرقية والغربية، والتي باتت تجتذب قرابة المائة مثلي ومثلية فلسطينيين، وكان آخرها في السابع من كانون الأول للعام 2005، إضافة إلى ورشات عمل لتنمية الوضع باتجاه تغيير النظرة إلى الهوية الجنسية المثلية.

الاحتلال والجدار
وتفتخر حنين، منسقة المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح بالقدس، بأنهم المنظمون الفعليون لمسيرة الفخر العالمية، التي تجري للمرة الأولى في القدس العام 2006، تحت شعار "حب بلا حدود"، والتي ستجمع إسرائيليين وفلسطينيين، ومثليين ومثليات من جميع أنحاء العالم، بهدف "إيصال رسالة نحتاجها في الشرق الأوسط ، مفادها أن حقوق الإنسان تعلو على الحدود الحضارية والعرقية، وأن اختلافاتنا يجب أن تحترم وتوقر بسلام وهدوء, وبأن الحب لا يعرف حدود.. وبأنه لا يوجد مكان أفضل من القدس لتكوين هذه الرسالة, كما أنه لا توجد مدينة أكثر حاجة لهذه الرسالة من القدس".. وتقول حنين: إن الصراع على التقبل والفخر بارز في القدس، مدينة الديانات الكبرى، حيث التراث الإسلامي والمسيحي واليهودي العريق، والذي يرسخ لاحترام كل البشر الذين خلقهم الله، ومع ذلك فهذه الديانات المتشابهة كانت المصدر للعدائية وعدم التسامح مع مجتمع مثليّي الجنس .. في هذه المسيرة العالمية، سيأتي عشرات وربما مئات الآلاف إلى القدس، ومن جميع أنحاء العالم لتحدي الآراء المسبقة .. معاً سنصرح أننا أيضاً ننتمي إلى القدس، مدينة الديانات العريقة.
وترفض روضة، منسقة "أصوات" المشاركة في "مسيرة الفخر"، لاعتبارات تتعلق بترويجها "الزائف" لإسرائيل كدولة الديمقراطيات والحريات، بل وتعمل على التنسيق لمسيرة مزامنة يشارك بها مثليون ومثليات من جميع أنحاء العالم، تحت شعار "لا للاحتلال .. لا لجدار الفصل العنصري"، عبر تظاهرات في المناطق الفلسطينية التي اقتطعت فيها أراضي المواطنين لصالح إقامة "الجدار"، وتقول: لن نشارك في أية فعالية لا تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وسنطالب بإلغاء هذه المسيرة كما حدث العام الماضي، لأن فيها تزييفاً للحقائق، عبر التعاطي مع إسرائيل كرمز الديمقراطية والحضارة في المنطقة، في تجاهل سافر لمعاناة الفلسطينيين جراء الاحتلال وسياساته .. لا أدري كيف نقبل كمثليين ومثليات فلسطينيين المشاركة في هكذا مسيرة، بينما يقع شعبنا تحت الاحتلال والحصار والممارسات العنصرية؟!
وتضيف روضة: هناك محاولات مستمرة لإظهار أن جمعيات المثليين الإسرائيلية تدعم الحقوق الفلسطينية، وتناهض الاحتلال، وهذا غير صحيح، فـ"90% منها لا يعرفون شيئاً عن الاحتلال، أو لا يريدون أن يعرفوا .. فقط مجموعتي "الغسيل الأسود و"بيت النساء"، من تناهضا الاحتلال علانية.
وتتابع: أعتقد أن هناك أزمة هوية لدى المثليين والمثليات الفلسطينيين المشاركين في المسيرة أو موكب الفخر هذا .. بالنسبة لنا ليس لدينا أية تساؤلات عن "الهوية" .. نحن فلسطينيات، ومعظمنا ناشطات سياسيات، والسبب في أننا نعمل تحت غطاء القوانين الإسرائيلية، يعود لأن القانون الفلسطيني لا يسمح بإنشاء أي تجمع علني لممارسي "المثلية الجنسية".. نحن نأمل أن يأتي اليوم الذي نناضل فيه ضد الاحتلال من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحت غطاء قانوني فلسطيني.
من جهتها ترفض حنين، منسقة المشروع الفلسطيني في البيت المفتوح، الحديث عن "مسيرة الفخر كحدث لترويج إسرائيل، والإساءة إلى الفلسطينيين"، وتقول: نحن ندرك أن ثمة جمعيات إسرائيلية تستغل "الحرب المجتمعية" المفروضة على المثليين والمثليات الفلسطينيين، لاعتبارات سياسية، كالإساءة إلى السلطة الفلسطينية، أو التسويق لإسرائيل، لكنا لسنا من هؤلاء .. كل ما في الأمر أننا مؤسسة مقدسية، تركز عملها على دعم وتمكين المثليين في المدينة المقدسة، بغض النظر عن دياناتهم، وأعراقهم .. هناك مؤسسات كثيرة تعنى بمناهضة الاحتلال، والجدار، وسياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ولا يوجد من يهتم بالمثليين والمثليات .. نحن نبتعد عن السياسة، لكنا في ذات الوقت لسنا سذجاً.


مرض أم لا ..
وترفض روضة، منسقة، "أصوات" التعاطي مع "المثلية الجنسية" كمرض نفسي أو عضوي، مشيرة إلى أن كتاب (DSM4)، وهو من أهم المراجع الطبية أكد أن "المثلية ليست مرضاً"، وأنها أمر طبيعي، وتقول: نرفض الاتهامات المرضية، وأي حديث مبنى على افتراضات ومفاهيم مسبقة لا أساس لها من الصحة.
ويقول المرشد النفسي، مرزوق داود: من الصعب أن نعترف بهذه النتيجة العلمية، كونها تمس الكثير من المعتقدات الدينية إزاء المثلية، رغم أنني بدأت أشعر أن المثلية الجنسية ليست مرضاً، خاصة بعد أن حاولت برفقة طبيب بارع التعاطي مع المثلية على أنه مرض، من خلال العمل على "علاج" شاب فلسطيني من شمال الضفة الغربية، لسنة كاملة، حيث كانت النتائج "مخيبة للآمال" .. في الحقيقة بدأت أقتنع بأن "المثلية الجنسية ليست مرضاً"، رغم ما يمكن أن تهدمه هذه النظرية من قيم دينية، واجتماعية.
ويضيف داود: صادفتني الكثير من الحالات خلال عملي، ولم أتمكن من تشخيص أسباب محددة للمثلية الجنسية، أو عوارض مرضية ما، إلا أن الانتشار "غير القليل" لهذه الميول الجنسية في فلسطين، حيث هي مرفوضة اجتماعياً ودينياً، يجعل من الصعب تعميم نظرية أن "المثلية الجنسية ليست مرضاً نفسياً أو عضوياً"، وربما يعزز ذلك شعور المثليين أنفسهم بعادية ما يقومون به، فهم، وفي الكثير من الحالات، يمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية، كأي مسلم أو مسيحي أو يهودي من غير المثليين، كما أن العديد منهم على قناعة بأن "الله خلقهم هكذا، وبالتالي لا يعقل أن يعاقبهم، أو يرفضهم"، مشدداً على أهمية الحديث عن هذه "الظاهرة" في فلسطين، والتي يمكن للكثير من العاملين على خطوط المساعدة النفسية والاجتماعية في برامج الجمعيات النسوية والأسرية في الضفة والغربية، التأكيد على انتشارها، علاوة على أطباء الأمراض التناسلية، وحتى النسائية الذين باتت تشتكي لهم عشرات، وربما مئات النساء، من "مثلية أزواجهن، واكتفائهم بمضاجعتهن من أدبارهن، بل والامتناع عن مضاجعتهن كبقية النساء الأخريات"، كما أن رواجها في الموروث الشعبي الفلسطيني، عبر النكتة التي تمس في العادة رجال مدينة بعينها في الضفة الغربية، دليل على شيوع الظاهرة منذ عقود أو أكثر.
من جهتها تشير اعتدال الجريري، الاختصاصية النفسية في جمعية المرأة العاملة في رام الله، إلى أن "من يأتين إلى الجمعية بهذه الخصوص، على قلتهن، يعانين في العادة من شعور بالذنب، على اعتبار أن ما يقومون به "خطيئة، أو شذوذ"، وبعضهن يطلبن منا استشارات بخصوص الضغوطات التي يتعرضن لها من الأسرة للزواج وتكوين أسر خاصة بهن، في وقت لا يرغبن فيه بذلك، كما لا يردن، بأي حال من الأحوال، الإفصاح عن ميولهن الجنسية.
وتقول الجريري: بغض النظر عن القناعات الشخصية لنا، كاختصاصيين نفسيين لا يمكننا التعاطي مع المثلية الجنسية كمرض، خاصة أن لذلك تأثيرات سلبية للغاية على نفسية المثليات والمثليين.
وتفيد دراسات نفسية حول المثلية الجنسية في العالم العربي، إلى أن المثليين والمثليات يعانون من انعدام الدعم من قبل العائلة، حيث يعزلون عن بيئتهم المحيطة، وفي أحيان كثيرة يطردون من البيت، علاوة على العنف الكلامي والجنسي والجسدي الذي يتعرضون إليه من قبل أفراد العائلة، والرفض المجتمعي لهم، ما يضطرهم إما إلى الاحتفاظ بسرية هويتهم الجنسية، أو إلى الهروب، كما يحدث في الفلسطينيين الذين "يلجأون" إلى إسرائيل.

(انتهى)


صحافيو غزة

تهديدات بالقتل واقتحام مكاتب ورصاص طائش وضغوطات نفسية كبيرة
صحافيو غزة .. الحقيقة المذبوحة على مقصلة الاقتتال الداخلي !

رام الله - يوسف الشايب:

"بتنا نخرج إلى العالم صور مخجلة حقاً، لكنه عملنا"، بهذه الكلمات بدأ زكريا أبو هربيد، المصور التلفزيوني لوكالة رامتان للأنباء في غزة، وصاحب تسجيل هدى غالية الشهير، حديثه عن الظروف الصعبة التي يعملون بها، في ظل الاقتتال الداخلي المستفحل في غزة، ويقول: المؤسف أننا، نحن الذين كنا نقف في وجه دبابات الاحتلال، ونصور بشاعة ما تتركب قوات المحتل من جرائم بحق أهلنا في غزة، نضطر اليوم إلى تصوير مشاهد الاقتتال الداخلي المقيتة.
ويضيف أبو هربيد: حين أنطلق بكاميرتي لتصوير هكذا أحداث، كثيراً ما يتعامل معك الناس، والمسلحون الملثمون كإرهابي، فأنت لابد أنك تخدم طرفاً معادياً ما دمت تحمل كاميرا .. كثيراً ما منعي مسلحون من التصوير، والمشكلة أننا مضطرون للرضوخ، لأننا في "هذه المعمعة لا ندري من أين يأتينا الموت، فالرصاص الطائش، وربما غير الطائش قد يطال الواحد منا في أية لحطة، لكنا كمصورين مجبورين على التوجه إلى حيث الحدث، مع أنني أتألم كثيراً عند تصوير هذه المشاهد التي تسيء لصورة جميع الفلسطينيين.
ويتذكر أبو هربيد: ذات يوم، وإثر توجهنا لتغطية مسيرة سلمية صوب المجلس التشريعي، بدأ إطلاق نار كثيف، وكاد أحد الزملاء المصورين يقتل، لولا العناية الإلهية، ولولا أنه افترش الأرض .. للأسف بات العديد من المصورين يشترون ما تبقى من أعمارهم، ولا يغامرون كثيراً من أجل لقطة قد تكون أعمارهم ثمناً لها.
وإن كان مصورو وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات، الأكثر التصاقاً بالميدان، فإن مراسلي وسائل الإعلام المحلية، والعربية، والعالمية، في غزة، وبدرجة أقل في الضفة الغربية، يعانون الكثير، ما بين تهديدات بالقتل، واتهامات، وضغوطات تجعلهم يفقدون الكثير من أعصابهم، ما يعني إنتاجية أقل في بعض الأحيان، ومواربة على الحقيقة في أحيان أخرى، وضرورة التعاطي مع التصريحات المتضاربة للأطراف المتحاربة.
ويؤكد وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة في غزة، أن "ضغوطات الاحتلال، والمخاطر المرافقة لتغطية أية عملية عسكرية إسرائيلية في القطاع، لا ترافقها تلك الأجواء النفسية الصعبة التي نعيشها هذه الأيام، جراء التناقضات الداخلية"، ويقول: الوضع أصعب من الصعب .. نحن نعمل تحت ضغط نفسي غير مسبوق، خاصة في ظل الاستقطاب الحاد بين هذا الفصيل أو ذاك، وهذه المجموعة أو تلك، علاوة على العائلات.
ويضيف الدحدوح: كثيراً ما نتلقى تهديدات، تارة بالتصريح، وتارة بالتلميح، وأخرى عبر الضغوطات، أو الملامة والعتب .. في بعض الأحيان يصل الواحد منا إلى قمة العصبية، جراء محاولة غير واعية لتفريغ شيء من هذا الضغط.
ويوافقه سيف الدين شاهين، مراسل قناة العربية في غزة، الرأي، مؤكداً أن "الإشكال الأكبر يكمن في الثقافة السياسية السائدة لدى الفصائل والأحزاب، فإذا لم يكن التقرير الذي أعده يتوافق مع رؤية هذا الفصيل أو ذاك، ومع روايته حول الأمور، فإنني منحاز للطرف الآخر".
ويضيف شاهين: الجميع يحسب علينا الأنفاس، ويقيسون التغطية الإخبارية بالحرف والكلمة، وإن لم تعتدل كفة الميزان تماماً، أو رفض أي طرف الاعتراف بهذا الاعتدال، فإنه الانحياز.
ويؤكد شاهين: بالتأكيد نشعر بخطر دائم، فلا محرمات لدى معظم الأطراف المتصارعة في غزة من التطاول على الصحافيين، والمساس بهم .. الأجواء التي نعمل بها خطيرة للغاية، فالاستقطاب لا يفرض نفسه على القيادات من جميع الأطراف، بل على معظم شرائح الشعب الفلسطيني .. نحن باستمرار نتعرض لتهديدات، ونخشى أن يأتي أرعن من هذا الفصيل أو ذلك، ليترجم انتقادات مسؤوله الذي يكن له قدسية ما، باتجاه الاعتداء على هذا الصحافي، سواء بإطلاق النار بقصد الإصابة، أو استهداف منزله أو أسرته، أو حتى قتله .. الغريب أن البعض يعلق أخطاءه على مشاجب الصحافيين، وكأننا من نحمل السلاح، ونقتل به أبناء شعبنا، لا هم.

في المنزل
ولا يزال فايز أبو عون، مراسل "الأيام" في غزة، والذي تعرض إلى أكثر من عشرين تهديداً، في الفترة الماضية، يتذكر كيف حولت مكالمة هاتفية من مجهول عيد ميلاد ابنته إلى كآبة وقلق، ويقول: قبل دقائق من إطفاء الشمع، جاءتني مكالمة هاتفية من مجهول يهددني بالقتل .. حاولت إخفاء الأمر عن أسرتي، كي لا تضيع الأجواء الاحتفالية التي باتت نادرة هذه الأيام، إلا أنني لم أستطع فانقلب الفرح إلى كآبة، وبقيت لأيام أعيش حالة من الضغط العصبي، ترجم إلى غضب غير مبرر، وقلق، وتوتر شديدين، إلى أن تدخلت بعض الوساطات، وتم تسوية الأمر.
ويؤكد أبو عون، أن الأجواء التي يعمل بها وصحافيو غزة، تنعكس كثيراً على سلوكهم في المنزل .. "نعمل في جو من القلق، والخوف، على مصيرنا، وحياتنا، وحياة أولادنا، خاصة أن الأمر بات يخرج عن نطاق التهديد، إلى التنفيذ في غزة، فالاقتتال الداخلي لا يبقي ولا يذر، وبات الجميع مستهدفاً في غابة من البنادق ذات الفوهات المشرعة، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك بالسلب على نفسياتنا، لنبدو أكثر عصبية، وتوتراً.
ويؤكد وائل الدحدوح ذلك بقوله: ولدي الأكبر، حمزة، ويدرس في الصف الخامس الابتدائي، بات يطالبني بإلحاح، في الساعات أو الدقائق القليلة التي يراني فيها، بالإقلاع عن العمل في مهنة الصحافة، مؤكداً أنه يكره هذه المهنة، ويرفض امتهانها ذات يوم، فهو يدرك تماماً الصعوبات التي نعيشها، والمخاطر التي نتعرض لها، خاصة في هذه الظروف.
وفي الوقت الذي ترفض فيه أسرة سيف الدين شاهين، خروجه من المنزل، في كل مرة يذهب فيها لتغطية حدث صاخب، خاصة في ظل أتون الحرب الداخلية المشتعلة في غزة، يؤكد نجل زكريا أبو هربيد، وهو طالب في الثانوية العامة، على مطالبة والده بالكف عن تغطية أحداث الاقتتال الداخلي، كون أن "الرصاص الأعمى قد يطال أي كان"، وأن الموت بهذا الرصاص "ليس شرفاً كما هو في حالة الموت برصاص الاحتلال".

آليات الخروج
وللخروج من أزمة الاتهام بالانحياز، وما يترتب عليه من تهديدات وضغوطات، يلجأ الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إلى الاحتفاظ بشيء من الحقيقة داخله، ويقول: الأجواء لا تسمح بقول الحقيقة كاملة، وبالتالي نضطر لاستخدام مهاراتنا اللغوية للتعبير عن واقع الحال بطريق مواربة، ومفهومة، في ذات الوقت .. ما نعانيه كصحافيون وكتاب رأي ومحللون سياسيون في غزة، ضاعف من قوة الرقيب الداخلي لدينا، فبدلاً من شرطي أو اثنين في الرأس، تعمل كتيبة بأكملها هذه الأيام، فلا حماية أمنية، ولا أخلاقية، وحتى الحماية العشائرية، التي لا نقبلها كمثقفين، تبدو غير كافية.
ويضيف عوكل: مع إدراكنا بأن الوضع المتأزم الذي نعيش، يتطلب جرأة أكبر، إلا أننا نبدو أقل جرأة، وأقل قدرة على الكلام، خاصة أن تأثيرنا ليس كبيراً على شارع مسيس .. كان بالإمكان ممارسة البطولة إذا كنا نحدث زلزالاً في الرأي العام، لكن هذه الزلازل تصنعها الأسلحة، وقيادات الفصائل في بلادنا، وليس الصحافة .. نحاول الاقتراب من هموم الشارع، وملامسة الحقائق، دون التسبب لأنفسنا بالأذى.
ويرى وائل الدحدوح أنه للخروج من هذا المأزق، لابد من نقل وجهات النظر المتعارضة بتوازن دقيق، وهذه مهمة صعبة، كما يرى، إلا أنه يسعى باستمرار للنجاح فيها، في حين يتجه سيف الدين شاهين إلى "التعاطي مع الروايات المتعارضة والتي تنصب في مجملها على كيل الاتهامات المتبادلة، أو لروايات شهود عيان قد تطاولها الشكوك، لانحيازها لهذا الطرف أو ذاك"، خاصة مع صعوبة الوصول إلى مكان الحدث .. ويقول: الغريب أننا كنا نغطي أي اجتياح لقوات الاحتلال من موقع الحدث، أما الآن فلا نستطيع ذلك في أغلب الأحيان، فأنت لا تدري من أين قد يأتيك الموت.
وللخروج من دائرة الخطر، وربما الاستهداف، يؤكد فايز أبو عون، على ضرورة "إمساك العصا من المنتصف"، عبر وضع القارئ أمام الروايات المتضاربة، وترك حرية الخيار له في النهاية .. ويقول: لسلامتي، وسلامة أسرتي، قد أضع الحقيقة على الرف في الكثير من الأحيان، وأشدد على نسب الروايات إلى أصحابها، وأعتقد أن هذا لا يضرب مهنيتي كصحافي، غير مطلوب منه الإدلاء بشهادته، خاصة في ظل هذه الظروف المعقدة.

صحافيون أجانب
ولم يتأثر الصحافيون الفلسطينيون العاملون في المؤسسات الإعلامية المحلية، أو العربية، أو الدولية فحسب، بحالة الفلتان الأمني، والاقتتال الداخلي، المستشرية في القطاع، بل إن العديد من الصحافيين الأجانب، تعرضوا للخطف والتنكيل، آخرهم الصحافي البيروفي، رازوري، والذي لا يزال محتجزاً لدى خاطفيه، منذ الاثنين الماضي، ما دفع منظمة مراسلون بلا حدود إلى اعتبار قطاع غزة من أخطر المناطق على الصحافيين، وأكثرها انتهاكاً لحقوقهم، حيث حل القطاع ثانياً على المستوى العربي، بعد العراق، وفي العشر الأوائل عالمياً، ما دفع الكثير منهم إلى "الهرب من غزة" نحو الضفة الغربية، أو القدس، أو حتى خارج الأراضي الفلسطينية، حتى إن العديد من الصحافيين الفلسطينيين يؤكدون أنه بالكاد تجد صحافياً أجنبياً واحداً في القطاع، وفي حال تواجدهم فإنهم يعجون على أصابع اليد الواحدة.
ويؤكد باتريك أدجار، مجير مكتب وكالة "فرانس برس" للأنباء في القدس، أن "العمل يبدو صعباً، وربما مستحيلاً في هكذا أجواء، فحالة الفلتان الأمني التي تعيشها غزة، تؤثر على الصحافيين بشكل كبير"، مؤكداً أن "رحيل العديد من الصحافيين عن القطاع، لا يضر بالمؤسسات الصحافية العاملة هناك فحسب، بل يضر بسكان غزة جميعا .. الأوضاع صعبة بالتأكيد هناك .. يمكننا أن نتخيل جميعاً ماهية الأوضاع التي ليس بإمكان لصحافي معها ممارسة عمله بأمان، أو بحرية".

(انتهى)

رسالة الى امرأة مثلية

الاخت امراة مثلية
انا سعيد بالتعرف عليك من خلال كتابتك
وصدقيني انا اعلم جيدا مشاعرك مع انني لست مثلي الجنس

انا صحافي من فلسطين، وسبق ان اعددت تحقيقا صحافيا عن الصعوبات التي يعيشها المثليون في بلدي واعد فيلما الان

مع محبتي

يوسف